‏إظهار الرسائل ذات التسميات علماء وباحثين. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات علماء وباحثين. إظهار كافة الرسائل

السبت، 31 أغسطس 2013

العالم الجليل ابن سينا

برز في صرح الحضارة الإسلامية علماء أعلام وجهابذة عظام، عزَّ تاريخ الإنسانية في القديم والحديث أن يجود بمثلهم؛ ولا غَرْوَ فهم أعلام الحضارة، وهم صور رائعة تعكس سمو هذه الحضارة الإسلامية الإنسانية، حتى التصق اسمهم بها؛ فغدا ذِكْرهم ذِكْرًا لهذه الحضارة، وغدتْ دراسة حياتهم دراسة لها أيضًا.
ومن هؤلاء الأفذاذ الشيخ الرئيس ابن سينا (ت 428هـ/ 1037م) الذي ظل لسبعة قرون متوالية المرجع الرئيسي في علم الطب، وبقي كتابه (القانون) في الطب العمدة في تعليم هذا الفنِّ حتى أواسط القرن السابع عشر في جامعات أوربا[1]! ويُعَدُّ ابن سينا أوَّل من وصف التهاب السَّحايا الأوَّليِّ وصفًا صحيحًا، ووصف أسباب اليرقان[2]، ووصف أعراض حصى المثانة، وانتبه إلى أثر المعالجة النفسانية في الشفاء[3].
وهو أبو علي الحسين بن عبد الله.. الملقب بالشيخ الرئيس، والمعروف عند الأوربيين باسم (Avicenna)، وهو من أعظم علماء المسلمين، ومن أشهر مشاهير العلماء العالميين، وقد احتلَّ مكانًا سامقًا في الفكر والفلسفة والطب؛ فكان فيلسوفًا، وطبيبًا، ورياضيًّا، وفلكيًّا.. بل إنه لم يترك جانبًا من جوانب العلوم النظرية أو التطبيقية إلاَّ وتعرَّض له، تعرُّض العالم المتخصِّص المحقِّق؛ حتى كانت له إسهاماته الفعالة وإبداعاته الفريدة في كل مجالات المعرفة والعلوم.
مولده وتعليمه
وُلِدَ ابن سينا قرب بخارى -في أوزبكستان حاليًا- سنة (370هـ/ 980م)، ونشأ نشأة علمية؛ حيث تعهَّده والده بالتعليم والتثقيف منذ طفولته، فأحضر له الأساتذة والمربِّين، حتى شبَّ ابن سينا الطفل محبًّا للقراءة والعلم، والاطلاع الواسع في شتى المعارف والعلوم، وقد بلغ فيها ما لم يبلغه غيره، وكل ذلك وهو دون العشرين سنة.
وقد قرأ ابن سينا كتاب إيساغوجي على الناتلي، ثم أحكم عليه علم المنطق، وإقليدس والمجسطي، وفاقه أضعافًا كثيرة؛ حتى أوضح له منها رموزًا وفهمه إشكالات لم يكن للناتلي يد بها، أمَّا تعلُّم الطب فقد تَعَلَّمَه في أقلِّ مدَّة، حتى فاق فيه الأوائل والأواخر -كما يُعَبِّر ابن خلِّكان- وأصبح فيه عديم القرين، فقيد المثل، وقد اختلف إليه فضلاء هذا الفنِّ وكبراؤه؛ يقرءون عليه أنواعه والمعالجات المقتبسة من التجربة، وسنُّه إذ ذاك نحو ست عشرة سنة[4].
وفي لفتة إنسانية فإن ابن سينا لما نبغ في الطب قام بعلاج المرضى تأدُّبًا وبالمجَّان، لا تكسُّبًا أو لجمع المال؛ وذلك حبًّا للخير والاستفادة بالعلم، وقد واتته فرصة عظيمة عندما نجح في علاج الأمير نوح بن منصور وهو في السابعة عشرة من عمره، ذلك الأمر الذي عجز عنه مشاهير الأطباء، فنال بذلك شهرة عظيمة، كما جعل أمراء هذا البيت يُنْعِمُون عليه، ويفتحون له دور كتبهم؛ ليعبَّ منها علمًا غزيرًا لم يتوفر ولم يتحصَّل لغيره، وعمره لم يأتِ بعدُ الثامنة عشرة[5].
وبعد العشرين من عمره انصرف ابن سينا إلى التأليف والكتابة والاشتغال بالفلسفة والطب، حتى إذا ما وصل إلى سن الثانية والعشرين كان أشهر أطباء عصره، وقد أسند إليه منصب رئيس وزراء شمس الدولة أمير ولاية همذان، ثم خدم الأمير علاء الدين في أصفهان، ولم يكن لاشتغاله بتدبير الدولة أي أثر على إنتاجه ودراساته[6].
ابن سينا.. منهج فريد
في بحوثه ودراساته كان لابن سينا منهج مغاير لِمَا كان عليه العلماء السابقون، وبخاصَّة علماء وأساطين الفكر اليوناني؛ فقد نزع إلى الاستقلال في الرأي، والتحرُّر من أي فكرة لا يُؤَدِّي إليها نظرٌ عقلي، وقد أدَّاه ذلك إلى ألاَّ يتقيَّد بآراء مَنْ سبقه، بل يبحث ويدرس ويُعمل العقل والمنطق والخبرة التي اكتسبها، فإن أوصلته هذه كلها إلى تلك الآراء الصحيحة أخذ بها، وإن أوصلته إلى غير ذلك نبذها وبيَّن فسادها.
وبذلك فإن ابن سينا خالف أرسطو وأفلاطون، وغيرهما من فلاسفة اليونان في كثير من الآراء؛ فلم يتقيَّد بها، بل أخذ منها ما ينسجم مع تفكيره، وزاد على ذلك كله بقوله بأن: الفلاسفة يخطئون ويصيبون كسائر الناس، وهم ليسوا معصومين من الخطأ والزلل. وهو ما لم يجرؤ على التصريح به الفلاسفة والعلماء في تلك الأزمان[7].
وأكثر من ذلك أن ابن سينا جعل للتجربة مكانًا عظيمًا ومنزلة سامقة في دراساته وبحوثه، وبالأخصِّ الطبية منها، وقد توصَّل عن طريقها إلى ملاحظات دقيقة ونتائج جديدة مبتكرة، في تشخيص الأمراض واكتشاف العلاج وتحضير الأدوية، وفي ذلك يقول ابن سينا: "تعهَّدت المرضى؛ فانفتح عليَّ من أبواب العلاجات المقتبسة من التجربة ما لا يُوصف"[8].
وإن هذا المنهج العلمي الذي يعتمد على التجربة هو الذي جعل ابن سينا ينأى بعلم الطب عن السحر والخرافة والشعوذة؛ حيث توصَّل إلى أنه لا بُدَّ أن يكون لكل مرض سبب.                                        

أمَّا أروع ما يميِّز هذا المنهج فكان فيما تجلَّى من اتصال دائم بالله ، وترى ذلك في حديثه حين يقول: "... فكل حُجَّة كنتُ أنظر فيها أُثبت مقدِّمات قياسية، وأُرَتِّبُها في تلك الظهور[9]، ثم نظرتُ فيما عساها تُنْتِج، وراعيتُ شروط مقدِّماته، حتى تحقّق لي حقيقة الحقّ في تلك المسألة، وكلما كنتُ أتحيَّر في مسألة ولم أكن أظفر بالحدِّ الأوسط في قياسٍ تردَّدْتُ إلى الجامع، وصلَّيْتُ وابتهلتُ إلى مبدع الكل، حتى فتح لي المنغلق، وتيسَّر المتعسِّر"[10].
ابن سينا.. ابتكارات سبقت عصرها
استطاع الشيخ الرئيس ابن سينا -بفضل ما منَّ به الله عليه من العقل والعلم وسعة الاطّلاع والولع الشديد بالمعرفة- أن يُقَدِّم للإنسانية أعظم الخدمات والاكتشافات والابتكارات التي فاقت عصرها بالقياس إلى إمكانات ذلك العصر ومدى ما وصلت العلوم فيه آنذاك، وبالأخصِّ في جانب الطب؛ فإليه يرجع الفضل في اكتشاف العديد من الأمراض التي ما زالت منتشرة حتى الآن؛ إذ إنه أول من كشف عن طفيلة (الإنكلستوما)، وسماها في كتابه (القانون في الطب) في الفصل الخامس الخاص بالديدان المعوية: الدودة المستديرة، ووصفها بالتفصيل لأول مرة، وتحدَّث عن أعراض المرض الذي تُسَبِّبه[11].
وعن هذا الفتح الكبير كتب الأستاذ الدكتور محمد خليل عبد الخالق مقالاً في مجلة الرسالة، جاء فيه: "... قد كان لي الشرف في عام (1921م) أن قمت بفحص ما جاء في كتاب القانون في الطب، وتبيَّن لي أن الدودة المستديرة التي ذكرها ابن سينا هي ما نسميه الآن بالإنكلستوما، وقد أعاد (دوبيني) اكتشافها بإيطاليا عام (1838م)، أي بعد اكتشاف ابن سينا لها بتسعمائة سنة تقريبًا، ولقد أخذ جميع المؤلفين في علم الطفيليات بهذا الرأي في المؤلفات الحديثة، كما أخذت به مؤسسة (روكلفر) الأمريكية التي تعني بجمع كل ما كُتِبَ عن هذا المرض... ولذلك كتبتُ هذا ليطلع عليه الناس، ويُضيفوا إلى اكتشافات ابن سينا العديدة هذا الاكتشاف العظيم لمرض هو أكثر الأمراض انتشارًا في العالم الآن"[12].
ثم إنه تطرَّق إلى بعض أنواع الديدان الطفيلية التي تعيش بعيدًا عن القناة الهضمية؛ مثل: ديدان العين، التي تُفَضِّل منطقة العين، وديدان الفلاريا المسبِّبَة لداء الفيل، فتراه يقول عن الأخير: "هو زيادة في القدم وسائر الرِّجْل على نحو ما يعرض في عروض الدوالي فيغلظ القدم ويكثفه"[13].
كما أنه أول من وصف الالتهاب السحائي، وأول من فرَّق بين الشلل الناجم عن سبب داخلي في الدماغ والشلل الناتج عن سبب خارجي، ووصف السكتة الدماغية الناتجة عن كثرة الدم، مخالفًا بذلك ما استقرَّ عليه أساطين الطب اليوناني القديم، فضلاً عن أنه أوَّل من فرَّق بين المغص المعوي والمغص الكلوي[14].
وكان ابن سينا صاحب الفضل في علاج القناة الدمعية بإدخال مسبار معقَّم فيها! وابن سينا هو الذي أوصى بتغليف الحبوب التي يتعاطاها المريض، وكشف في دقَّة بالغة عن أعراض حصاة المثانة السريرية، بعد أن أشار إلى اختلافها عن أعراض الحصاة الكُلوية، يقول الدكتور خير الله في كتابه الطب العربي: "ويصعب علينا في هذا العصر أن نُضيف شيئًا جديدًا إلى وصف ابن سينا لأعراض حصى المثانة السريرية"[15].
كما كان لابن سينا باع كبير في مجال الأمراض التناسلية؛ فوصف بدقَّة بعض أمراض النساء؛ مثل: الانسداد المهبلي, والإسقاط، والأورام الليفية. وتحدَّث عن الأمراض التي يمكن أن تُصيب النفساء؛ مثل: النزيف، واحتباس الدم، وما قد يسبِّبه من أورام وحميات حادَّة، وأشار إلى أن تَعَفُّن الرحم قد ينشأ من عسر الولادة أو موت الجنين، وهو ما لم يكن معروفًا من قبلُ. كما تعرَّض -أيضًا- للذكورة والأنوثة في الجنين, وعزاها إلى الرجل دون المرأة، وهو الأمر الذي أكَّده مؤخَّرًا العلم الحديث[16].
كما كشف ابن سينا -لأوَّل مرَّة أيضًا- طرق العدوى لبعض الأمراض المعدية كالجدري والحصبة، وذكر أنها تنتقل عن طريق بعض الكائنات الحية الدقيقة في الماء والجو، وقال: "إن الماء يحتوي على حيوانات صغيرة جدًّا لا تُرى بالعين المجرَّدة، وهي التي تسبِّب بعض الأمراض"[17]. وهو ما أكَّده (فان ليوتهوك) في القرن الثامن عشر والعلماء المتأخِّرُون من بعده، بعد اختراع المجهر.
ويُظهر ابن سينا براعة كبيرة ومقدرة فائقة في علم الجراحة؛ فقد ذكر عدَّة طرق لإيقاف النزيف؛ سواء بالربط، أو إدخال الفتائل، أو بالكي بالنار، أو بدواء كاوٍ، أو بضغط اللحم فوق العرق. كما تحدَّث عن كيفية التعامل مع السِّهام واستخراجها من الجروح، وحذَّر المعالجين من إصابة الشرايين أو الأعصاب عند إخراج السهام من الجروح، كما نبَّه إلى ضرورة أن يكون المعالج على معرفة تامَّة بالتشريح[18].
وإلى جانب كل ما سبق -وهناك غيره كثير- كان ابن سينا على دراية واسعة بطب العيون والأسنان, وكان واضحًا دقيقًا في تحديده للغاية والهدف من مداواة نخور الأسنان حين قال: "الغرض من علاج التآكل منع الزيادة على ما تآكل؛ وذلك بتنقية الجوهر الفاسد منه، وتحليل المادَّة المؤدِّية إلى ذلك...". ونلاحظ أن المبدأ الأساسي لمداواة الأسنان هو المحافظة عليها, وذلك بإعداد الحفرة إعدادًا فنيًّا ملائمًا مع رفع الأجزاء النخرة منها، ثم يعمد إلى ملئها بالمادَّة الحاشية المناسبة لتعويض الضياع المادي الذي تَعَرَّضَتْ له السنُّ؛ ممَّا يُعِيدها بالتالي إلى أداء وظيفتها من جديد[19].
ودرس ابن سينا الاضطرابات العصبية وتوصَّل إلى بعض الحقائق النفسية والمرضية عن طريق التحليل النفسي، وكان يرى أن العوامل النفسية والعقلية لها تأثير كبير على أعضاء الجسم ووظائفها[20].
وإضافةً إلى هذا فإن ابن سينا قد درس وعمل بحوثًا في الزمان والمكان، والحيز، والقوة والفراغ، وقال بأن: شعاع العين يأتي من الجسم المرئي إلى العين. وعمل تجارب عديدة في الوزن النوعي ووَحدة الوزن النوعي لمعادن كثيرة، كما بحث في الحركة وتناول الأمور المتعلِّقَة بها، وموضع الميل القسري والميل المعاون، وقد خرج الأستاذ مصطفى نظيف إلى أن دراسات ابن سينا في هذا المضمار -إضافةً إلى دراسات علماء مسلمين آخرين- قد ساهمت في التمهيد لبعض معاني علم الديناميكا الحديث، وأن ابن سينا مع بقية هؤلاء العلماء المسلمين قد أدركوا القسط الأوفر في المعنى المنصوص عليه في القانون الأول من قوانين نيوتن الثلاثة في الحركة، وأوردوا على ذلك نصوصًا صريحة[21].
ولابن سينا أيضًا بحوث نفيسة في المعادن وتكوين الجبال والحجارة، كانت لها مكانة خاصة في علم طبقات الأرض، وقد اعتمد عليها العلماء في أوربا، وبقيت معمولاً بها في جامعاتهم حتى القرن الثالث عشر للميلاد[22].
وقد تُرجمت كتب ابن سينا في الطب إلى اللاتينية ومعظم لغات العالم، وظلَّت حوالي ستة قرون المرجع العالمي في الطب، واستُخْدِمَتْ كأساس للتعليم في جامعات فرنسا وإيطاليا جميعًا، وظلَّت تدرس في جامعة مونبلييه حتى أوائل القرن التاسع عشر[23].
هذا، وبعد حياة مثمرة حافلة بالعطاء، وبعد أن باتت مؤلفاته وابتكاراته منهجًا يسير عليه الغرب لعديد من القرون في تدريس الطب، وبعد أن ترك بصماته الواضحة على نمو وتقدُّم الفكر والعلم.. توفي ابن سينا في همذان سنة (428هـ/ 1037م)، فرحمة الله عليه

العالم ابو موسي الاشعري

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أوتي أبو موسى مزمارًا من مزامير آل داود"، إنه عبـد الله بن قيـس المكني بـ أبي موسى الأشعري، أمّهُ ظبية المكيّة بنت وهـب أسلمت وتوفيـت بالمدينة، كان قصيرًا نحيفًا خفيف اللحيّـة، غادر وطنه اليمـن إلى الكعبة فور سماعه برسـول يدعو إلى التوحيد، وفي مكة جلس بين يدي الرسول الكريم  وتلقى عنه الهدى واليقين، وعاد الى بلاده يحمل كلمة الله.
أبو موسى الأشعري والسفينة
قال أبو موسى الأشعري : "بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوانِ لي أنا أصغرهما أحدهُما أبو بُرْدة والآخر أبو رُهْم، وبضع وخمسين رجلاً من قومي فركبنا سفينة، فألْقَتْنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافَقْنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر :إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثنا وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعًا".
أبو موسى الأشعري والقدوم على المدينة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «يقدم عليكم غدًا قومٌ هم أرقُّ قلوبًا للإسلام منكم»، فقدِمَ الأشعريون وفيهم أبو موسى الأشعري، فلمّا دَنَوْا من المدينـة جعلوا يرتجـزون يقولـون: "غدًا نلقى الأحبّـة، محمّـدًا وحِزبه"، فلمّا قدمـوا تصافحـوا، فكانوا هم أوّل مَنْ أحدث المصافحة.
واتفق قدوم الأشعريين وقدوم جعفر وفتح خيبر، فأطعمهم النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر طُعْمة، وهي معروفة بـ"طُعْمَة الأشعريين"، قال أبو موسى: "فوافَقْنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فأسهم لنا، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئًا إلا لمن شهد معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معنا".
فضل أبو موسى الأشعري
ومن ذلك اليوم أخذ أبو موسى مكانه العالي بين المؤمنين، فكان فقيهًا حصيفًا ذكيًّا، ويتألق بالإفتاء والقضاء حتى قال الشعبي: "قضاة هذه الأمة أربعة: عمر وعلي وأبو موسى وزيد بن ثابت"، وقال: "كان الفقهاء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ستة: عمر وعليّ وعبد الله بن مسعود وزيد وأبو موسى وأبيّ بن كعب".
أبو موسى الأشعري والقرآن
وكان من أهل القرآن حفظًا وفقهًا وعملاً، ومن كلماته المضيئة: "اتبعوا القرآن ولا تطمعوا في أن يتبعكم القرآن"، وإذا قرأ القرآن فصوته يهز أعماق من يسمعه حتى قال الرسـول صلى الله عليه وسلم: «لقد أوتي أبو موسى مزمارًا من مزامير آل داود»، وكان عمر يدعوه للتلاوة قائلاً: "شوقنا إلى ربنا يا أبا موسى".
أبو موسى الأشعري والصوم
وكان أبو موسى -رضي الله عنه- من أهل العبادة المثابرين وفي الأيام القائظة كان يلقاها مشتاقًا ليصومها قائلاً: "لعل ظمأ الهواجر يكون لنا ريّا يوم القيامة"، وعن أبي موسى قال: "غزونا غزوةً في البحر نحو الروم، فسرنا حتى إذا كنّا في لُجّة البحر، وطابت لنا الريح، فرفعنا الشراع إذْ سمعنا مناديًا يُنادي: "يا أهل السفينة قِفُوا أخبرْكم"، قال: فقمتُ فنظرتُ يمينًا وشمالاً فلم أرَ شيئًا، حتى نادى سبع مرات فقلتُ: "من هذا؟ ألا ترى على أيّ حالٍ نحن؟ إنّا لا نستطيع أن نُحْبَسَ"، قال: "ألا أخبرك بقضاءٍ قضاه الله على نفسه؟"، قلتُ: "بلى"، قال: "فإنّه من عطّش نفسه لله في الدنيا في يومٍ حارّ كان على الله أن يرويه يوم القيامة"، فكان أبو موسى لا تلقاه إلا صائمًا في يوم حارٍ.
أبو موسى الأشعري في مواطن الجهاد
كان أبوموسى -رضي الله عنه- موضع ثقة الرسول وأصحابه وحبهم، فكان مقاتلاً جسورًا، ومناضلاً صعبًا، فكان يحمل مسئولياته في استبسال جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول عنه: «سيد الفوارس أبو موسى»، ويقول أبو موسى عن قتاله: "خرجنا مع رسول الله في غزاة، نقبت فيها أقدامنا، ونقبت قدماي، وتساقطت أظفاري، حتى لففنا أقدامنا بالخرق"، وفي حياة رسول الله ولاه مع معاذ بن جبل أمر اليمن ...
أبو موسى الأشعري والإمارة
وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم عاد أبو موسى من اليمن إلى المدينة، ليحمل مسئولياته مع جيوش الاسلام، وفي عهد عمر ولاه البصرة سنة سبعَ عشرة بعد عزل المغيرة، فجمع أهلها وخطب فيهم قائلاً: "إن أمير المؤمنين عمر بعثني إليكم، أعلمكم كتاب ربكم، وسنة نبيكم، وأنظف لكم طرقكم"، فدهش الناس لأنهم اعتادوا أن يفقههـم الأمير ويثقفهـم، ولكن أن ينظـف طرقاتهم فهذا ما لم يعهـدوه أبدًا، وقال عنه الحسن -رضي الله عنه-: "ما أتى البصرة راكب خير لأهلها منه"، فلم يزل عليها حتى قُتِلَ عمر -رضي الله عنه-.
كما أن عثمان -رضي الله عنه- ولاه الكوفة، قال الأسود بن يزيد: "لم أرَ بالكوفة من أصحاب محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- أعلم من عليّ بن أبي طالب والأشعري".
أبو موسى الأشعري وأهل أصبهان
وبينما كان المسلمون يفتحون بلاد فارس، هبط الأشعري وجيشه على أهل أصبهان الذين صالحوه على الجزية فصالحهم، بيد أنهم لم يكونوا صادقين، وإنما أرادوا أن يأخذوا الفرصة للإعداد لضربة غادرة، ولكن فطنة أبي موسى التي لم تغيب كانت لهم بالمرصاد، فعندما هموا بضربتهم وجدوا جيش المسلمين متأهبًا لهم، ولم ينتصف النهار حتى تم النصر الباهر.
أبو موسى الأشعري في موقعة تستر
في فتح بلاد فارس أبلى القائد العظيم أبو موسى الأشعري البلاء الكريم، وفي موقعة التستر (20 هـ) بالذات كان أبو موسى بطلها الكبير، فقد تحصن الهُرْمُزان بجيشه في تستر، وحاصرها المسلمون أيامًا عدة، حتى أعمل أبو موسى الحيلة، فأرسل مائتي فارس مع عميل فارسي أغراه أبو موسى بأن يحتال حتى يفتح باب المدينة، ولم تكاد تفتح الأبواب حتى اقتحم جنود الطليعة الحصن وانقض أبو موسى بجيشه انقضاضًا، واستولى على المعقل في ساعات، واستسلم قائد الفرس، فأرسله أبو موسى إلى المدينة لينظر الخليفة في أمره.
وفاة أبو موسى الأشعري
ولمّا قاربت وفاته زادَ اجتهاده، فقيل له في ذلك، فقال: "إنّ الخيل إذا قاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك"، وجاء أجل أبو موسى الأشعـري، وكست محياه إشراقة من يرجـو لقاء ربه وراح لسانه في لحظات الرحيـل يـردد كلمات اعتاد قولها دومًا: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام"، وتوفي بالكوفة في خلافة معاوية سنة اثنين وخمسين.

جابر بن حيان ابو الكيمياء

وصفه ابن خلدون في مقدمته وهو بصدد الحديث عن علم الكيمياء فقال: "إمام المدونين فيها جابر بن حيان، حتى إنهم يخصونها به فيسمونها "علم جابر"، وله فيها سبعون رسالة"[1].
جابر بن حيان.. مؤسس علم الكيمياءإنه أبو موسى جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي، نسبة إلى قبيلة أزد اليمنية التي هاجر البعض منها إلى الكوفة بعد انهيار سد مأرب. وُلِدَ في (طوس) واستقرَّ في بغداد بعد قيام الدولة العباسية، وتوثقت علاقته بأسرة البرامكة الفارسية، وامتدت حياته ما بين (103 - 200هـ/ 721 - 815م)[2].
يُعَدّ مؤسس علم الكيمياء التجريبي؛ فهو أول من استخلص معلوماته الكيميائية من خلال التجارب والاستقراء والاستنتاج العلمي، وكان غزير الإنتاج والاكتشافات، حتى إن الكيمياء اقترنت باسمه فقالوا: "كيمياء جابر"، و"الكيمياء لجابر"، وكذلك: "صنعة جابر". كما أُطلق عليه أيضًا "شيخ الكيميائيين" و"أبو الكيمياء".
فقبل جابر كان هناك مجموعة من المهن البدائية القديمة، وقد اختلطت مع كثير من الحرف، كالتحنيط (في مصر القديمة) والدِّباغة، والصباغة والتعدين واستخلاص الزيوت، لكن جابر بن حيان استطاع أن يطوِّر الكيمياء ويرفعها من تلك المنزلة البدائية التي كانت عليها إلى منزلة عالية، وذلك بإضافته للكثير من المعارف النظرية والعلمية، وإرسائه أسسَ وأصولَ تحضير المواد الكيميائية والتعامل معها؛ لذلك يُعتَبَر ابنُ حيان شيخ الكيميائيين بلا منازع[3].

بداية الكيمياء والمنهج العلمي عند جابر

بدأت الكيمياء خرافية تستند على الأساطير البالية، حيث سيطرت فكرة تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة؛ وذلك لأن العلماء في حضارات ما قبل الإسلام كانوا يعتقدون أن المعادن المنطرقة مثل الذهب والفضة والنحاس والحديث والرصاص والقصدير من نوع واحد، وأن تباينها نابع من الحرارة والبرودة والجفاف والرطوبة الكامنة فيها، وهي أعراض متغيرة (نسبة إلى نظرية العناصر الأربعة: النار والهواء والماء والتراب)؛ لذا يمكن تحويل هذه المعادن من بعضها البعض بواسطة مادة ثالثة وهي الإكسير. ومن هذا المنطلق تخيل بعض علماء الحضارات السابقة للحضارة الإسلامية أنه بالإمكان ابتكار إكسير الحياة أو حجر الحكمة الذي يزيل علل الحياة ويطيل العمر[4]، وهذا ما كان يُسَمَّى بعلم الخيمياء.
وقد تأثَّر بعض العلماء العرب والمسلمين الأوائل كجابر بن حيان وأبي بكر الرازي بنظرية العناصر الأربعة التي ورثها علماء العرب والمسلمين عن اليونان، لكنهما قاما بدراسة علمية دقيقة لها؛ أدَّت هذه الدراسة إلى وضع وتطبيق المنهج العلمي التجريبي في حقل العلوم التجريبية.
وعن هذا المنهج التجريبي كان يقول جابر: "ومِلاك كمال هذه الصنعة العمل والتجربة؛ فمن لم يعمل ولم يجرِّب لم يظفر بشيء أبدًا"[5].
وفي كتاب الخواص الكبير المقالة الأولى يقول: "إننا نذكر في هذه الكتب خواص ما رأيناه فقط دون ما سمعناه، أو قيل لنا وقرأناه، بعد أن امتحنّاه وجرَّبناه، فما صحَّ أوردناه، وما بطل رفضناه، وما استخرجناه نحن أيضًا قايسناه على أحوال هؤلاء القوم"[6].
ولذلك يُعَد جابر أول من أدخل التجربة العلمية المخبرية في منهج البحث العلمي الذي أرسى قواعده، وكان أحيانًا ما يُسمي التجربة بالتدريب، فكان يقول: "فمن كان دَرِبًا كان عالمًا حقًا، ومن لم يكن دَرِبًا لم يكن عالمًا، وحسبُك بالدربة في جميع الصنائع أن الصانع الدَّرِب يحذق، وغير الدَّرِب يعطل"[7]!!
وعليه قطع جابر خطوة أبعد مما قطع اليونان في وضع التجربة أساس العمل لا اعتمادًا على التأمل الساكن.
لقد كانت أعمال جابر القائمة على التجربة المعملية أهم محاولة جادة قامت آنذاك لدراسة الطبيعة دراسة علمية دقيقة؛ فهو أول من بشَّر بالمنهج التجريبي المخبري، وتكاد الإجراءات التي كان يتبعها في أبحاثه تطابق ما يقوم به المشتغلون بالمنهج العلمي اليوم؛ وتتلخص إجراءاته في خطوات ثلاث:
الأولى: أن يأتي الكيميائي بفرض يفرضه من خلال مشاهداته، وذلك حتى يفسر الظاهرة التي يريد تفسيرها.
الثانية: أن يستنبط مما افترضه نتائج تترتب عليه نظريًا.
                                                        


الثالثة: أن يعود بهذه النتائج إلى الطبيعة ليتثبت ما إذا كانت ستصدق على مشاهداته الجديدة أم لا؛ فإن صدقت تحولت الفرضية إلى قانون علمي يُعوَّل عليه في التنبؤ بما يمكن أن يحدث في الطبيعة إذا توافرت ظروف بعينها[8].
ولقد اهتم هولميارد Holmyard بأعمال جابر ومنهجه العلمي ومؤلفاته، وعكف على إبراز القيمة العلمية لعمله، وتراه بعد ذلك يقول: "إن الصنعة الخاصة عند جابر هي أنه قد عرف وأكَّد على أهمية التجريب بشكل أوضح من كل من سبقه من الخيميائيين"[9].

جابر بن حيان.. أوَّليات وإنجازات

قام جابر بإجراء كثير من العمليات المخبرية، كان بعضها معروفًا من قبلُ فطوَّره، وأدخل عملياتٍ جديدة. ومن الوسائل التي استخدمها: التّبخُّر، والتقطير[10]، والتبلُّر[11]، والتسامي[12]، والترشيح[13]، والصَّهر، والتكثيف، والإذابة، ودرس خواص بعض المواد دراسة دقيقة؛ فتعرف على أيون الفضة النشادري المعقد[14].
كما قام بتحضير عدد كبير من المواد الكيميائية، فهو أول من حضَّر حمض الكبريتيك بالتقطير من الشَّب، وحضَّر أكسيد الزئبق، وحمض النتريك؛ أي ماء الفضة، وكان يسميه الماء المحلل أو ماء النار، وحضر حمض الكلوريدريك المسمَّى بروح الملح، وهو أول من اكتشف الصودا الكاوية، وأول من استخرج نترات الفضة وقد سمّاها حجر جهنم، وثاني كلوريد الزئبق (السليماني)، وحمض النتروهيدروكلوريك (الماء الملكي)، وسُمِّي كذلك لأنه يذيب الذهب ملك المعادن.
وهو أول من لاحظ رواسب كلوريد الفضة عند إضافة ملح الطعام إلى نترات الفضة، كما استخدم الشب في تثبيت الأصباغ في الأقمشة، وحضَّر بعض المواد التي تمنع الثياب من البلل؛ وهذه المواد هي أملاح الألومنيوم المشتقة من الأحماض العضوية ذات الأجزاء الهيدروكربونية، ومن استنتاجاته أن اللهب يُكسِب النحاس اللون الأزرق، بينما يكسب النحاس اللهب لونًا أخضر. وهو أول من فصل الذهب عن الفضة بالحل بوساطة الحمض، وشرح بالتفصيل عملية تحضير الزرنيخ، وتنقية المعادن، وصبغ الأقمشة[15].
ويُعزَى إليه أنه أولُ من استعمل الميزان الحساس والأوزان متناهية الدقة في تجاربه المخبرية؛ وقد وزن مقادير يقل وزنها عن1/100 من الرطل، ويُنسَب إليه تحضير مركبات كل من كربونات البوتاسيوم والصوديوم والرصاص القاعدي والإثمد (الأنتيمون)، كما استخدم ثاني أكسيد المنجنيز لإزالة الألوان في صناعة الزجاج، كما بلور جابر النظرية التي مفادها أن الاتحاد الكيميائي يتم باتصال ذرات العناصر المتفاعلة مع بعضها، ومثَّل على ذلك بكلٍّ من الزئبق والكبريت عندما يتحدان ويكونان مادة جديدة. وقد كان يجري معظم تجاربه في مختبر خاص اكتُشِف في أنقاض مدينة الكوفة في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي[16].

مؤلَّفات جابر

في مجمل مصنفاته يقول لوبون G. Lebon: "تتألف من كتب جابر موسوعة علمية تحتوي على خلاصة ما وصل إليه علم الكيمياء عند العرب في عصره، وقد اشتملت كتبه على بيان مركبات كيميائية كانت مجهوله قبله"[17].
فقد كان لجابر بن حيان العديد من المؤلفات العلمية، والتي تأثر بها الغرب ونقل عنها، حتى قرر ابن النديم أن له 306 كتابًا في الكيمياء بأسلوبه الخاص في أنحاء العالم، ورغم أن معظمها قد فُقِد، إلا أنه يوجد منها الآن ثمانون كتابًا محفوظًا في مكتبات الشرق والغرب، وقد تَرْجم معظمَ كتبه إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي روبرت الشستري (ت 539هـ / 1144م) وجيرار الكريموني (ت 583هـ / 1187م) وغيرهما، ومثّلت مصنفاته المترجمة الركيزة التي انطلق منها علم الكيمياء الحديث في العالم[18].
ويُعَدُّ كتاب (السموم ودفع مضارها) أشهر مؤلفات جابر ويقع في خمسة فصول، وفيه قسَّم السموم إلى حيوانية ونباتية وحجرية، وذكر الأدوية المضادة لها وتفاعلها في الجسم، وهذا الكتاب يعتبر همزة وصل بين الطب والكيمياء.
ومن أشهر كتبه أيضًا كتابه (الخواص الكبير)، ونسخته الأصلية موجودة في المتحف البريطاني.
وله أيضًا كتاب (التدابير)، وتعني العمل القائم على التجربة، وكتاب (الموازين)، وكتاب (الحديد) وفيه يصف جابر عملية استخراج الحديد الصلب من خاماته الأولى، كما يصف كيفية صنع الفولاذ بوساطة الصهر بالبواتق. ومن كتبه كذلك (نهاية الإتقان) وهو مؤلف رائد في الكيمياء، ورسالة (في الأفران).
وله أيضًا رسائل عن المرايا، كما ألَّف كتاب (السبعين) والذي يشمل سبعين مقالة حول أهم تجاربه في الكيمياء والنتائج التي توصل إليها، ويمكن اعتباره خلاصة ما وصل إليه علم الكيمياء عند العرب في عصره.
وله كذلك كتاب (الرحمة) ألَّفه في الخيمياء وتطرق فيه إلى إمكانية تحويل المعادن إلى ذهب، وكتاب (الجمل العشرون) و(أسرار الكيمياء) (وأصول الكيمياء)، وهذا غير مؤلفات أخرى في الرياضيات والفلسفة والشعر، وقد ترجمت بعض كتبه إلى اللاتينية مثل كتاب السبعين وكتاب الرحمة، وهناك كتب له باللاتينية لم يتم العثور على أصولها العربية، مثل: (البحث عن الكمال) و(كتاب العهد) و(كتاب الأتون)[19].
ولقد تُرجِمت كتب جابر إلى اللاتينية، وظلَّت المرجع الأوفى للكيمياء زهاء ألف عام، وكانت مؤلفاته موضع دراسة مشاهير علماء الغرب، أمثال: كوب، وبرثوليه، وكراوس، وهولميارد الذي أنصفه ووضعه في القمة، وبدَّد الشكوك التي أثارها حوله العلماء المغرضون. وأيضًا سارتون الذي أرَّخ به حقبة من الزمن في تاريخ الحضارة الإسلامية، يقول: "ما قدَّر جابر أن الكتب التي ألَّفها لا يمكن أن تكون من وضع رجل عاش في القرن الثاني للهجرة لكثرتها ووفرة ما بها من معلومات"[20].

العالم الاسطوري ...... ابن الهيثم

 تلك المكانة والمنزلة التي تبوأها العالم المسلم ابن الهيثم على الساحة العالمية في مجال البصريات، كان لنا أن نخوض بعض الشيء في شخصيته، كعلم من أعلام البصريات؛ نتعرض فيها لحياته الشخصية، ثم حياته العلمية، ونتعرف بصفة خاصة على تأثيره في الحضارة الغربية، ثم نستعرض آراء المنصفين من الغربيين في ذلك..

ابن الهيثم.. من الميلاد إلى الوفاة

هو أبو علي الحسن بن الهيثم، من أصل عربي، لُقِّبَ ببطليموس الثاني، وهو عالم موسوعي من أعظم علماء الرياضيات والفيزياء، وأتقن الطب وصنف فيه لكنه لم يمارسه، ويُعد - كما وضحنا في المقال السابق - مؤسس علم البصريات.
وُلِد في البصرة عام 354هـ / 965م وعاش فيها حياته الأولى، وكان في طفولته عازفًا عن اللهو مع أقرانه، مقبلاً على القراءة والاطلاع، وعندما شبَّ اشتغل كموظف في الديوان الحكومي، إلا أنه عكف على مواصلة البحث والدراسة، فسافر في طلب العلم، فذهب إلى بغداد والشام ومصر، وتنقّل بين أرجاء الدولة الإسلامية..
وقد درس في بغداد الطب، واجتاز امتحانًا مقررًا لكل من يريد العمل بالمهنة، وتخصَّص في طب الكحالة (طب العيون)، وكان أهل بغداد يقصدونه للسؤال في عدة علوم، برغم أن المدينة كانت زاخرة بصفوة من كبار علماء العصر. وعندما سمع الحاكم بأمر الله الفاطمي مقولته: "لو كنت بمصر لعملت فِي نيلها عملاً يحصل بِهِ النفع فِي كل حالة من حالاته من زيادة ونقص.." استدعاه إلى بلاطه وأمده بما يريد للقيام بهذا المشروع، ولكن ابن الهيثم لما ذهب إلى مصر وبعد أن حدد مكان إقامة المشروع (وهو عند مدينة أسوان)، أدرك صعوبة أو استحالة إقامة المشروع بإمكانات عصره، فاعتذر للحاكم بأمر الله!
بعد ذلك اتخذ من غرفة بجوار الجامع الأزهر سكنًا، ومن مهنة نسخ بعض الكتب العالمية موردًا لرزقه، هذا بخلاف التأليف والترجمة؛ حيث كان متمكنًا من عدة لغات، ولكنه لم يكن في سعة من العيش، فقد كان يرتزق من نسخ كتابين أو ثلاثة كتب رياضية، منها: كتاب الأصول لإقليدس في الهندسة، وكتاب المجسطي لبطليموس في الفلك، فكان ينسخها كل عام فيأتيه من أقاصي البلاد من يشتريها منه بثمن معلوم، لا مساومة فيه ولا معاودة، فيبيعها ويجعلها مئونة حياته طول سنته.
كان دائمًا يقول: "وإني ما مُدَّت لي الحياة، باذل جهدي، ومستفرغ قوتي في مثل ذلك (يقصد الدراسة وتحصيل العلوم)، متوخيًا منه أمورًا ثلاثة: أحدها إفادة من يطلب الحق ويؤثره، في حياتي وبعد مماتي، والآخر أني جعلت ذلك ارتياضًا لي بهذه الأمور في إثبات ما يتصوره ويتقنه فكري من تلك العلوم، والثالث أني صّيرته ذخيرة وعدة لزمان الشيخوخة وأوان الهرم".
وبعد رحلة علمية حافلة بالإنجازات، وساعدت على قيام النهضة الأوربية الحديثة، وبعد تأثير دام أثره إلى اليوم، وفي القاهرة، وفي سنة 430 هـ/1039م.. رحل ابن الهيثم عن دنيا الناس والطبيعة، وترك أعماله القيمة تنبئ عنه، وتستمد منها الحضارة الإنسانية النور والمعرفة.

ابن الهيثم.. والمنهج العلمي الحديث

يقول كاجوري في كتابه (تاريخ الفيزياء): "إنَّ علماء العرب والمسلمين هم أول من بدأ ودافع بكل جدارة عن المنهج التجريبي، فهذا المنهج يُعَدُّ مفخرةً من مفاخرهم، فهم أول من أدرك فائدته وأهميته للعلوم الطبيعية..".
وإذا جئنا إلى ابن الهيثم على وجه الخصوص نراه قد اعتمد في بحوثه على منهجين هما: منهج الاستقراء، ومنهج الاستنباط، وفي الحالين كان يعتمد على التجربة والملاحظة، وكان همه من وراء البحث هو الوصول إلى الحقيقة التي تثلج صدره، وقد حدد الرجل هدفه من بحوثه، وهو - كما أشرنا سابقًا - إفادة من يطلب الحق ويؤثره في حياته وبعد مماته.
وكان ابن الهيثم يرى أن تضارب الآراء هو الطريق الوحيد لظهور الحقيقة، وقد جعل من التجربة العملية منهاجًا ثابتًا في إثبات صحة أو خطأ النتائج العقلية أو الفرضيات العلمية، وبعد ذلك يحاول التعبير عن النتيجة الصحيحة بصياغة رياضية دقيقة.
ويتضح منهج ابن الهيثم في البحث إجمالاً من مقدمة كتابه (المناظر)؛ فقد بين فيه بإيجاز الطريقة التي هداه تفكيره إلى أنها الطريقة المثلى في البحث، والتي اتبعها في بحوثه، يقول ابن الهيثم: ".. ونبتدئ في البحث باستقراء الموجودات، وتصفح أحوال المبصرات وتمييز خواص الجزئيات، ونلتقط باستقراء ما يخص البصر في حال الإبصار، وما هو مطرد لا يتغير وظاهر لا يشتبه من كيفية الإحساس، ثم نرتقي في البحث والمقاييس على التدريج والترتيب مع انتقاد المقدمات والتحفظ في النتائج، ونجعل غرضنا في جميع ما نستقريه ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى, ونتحرى في سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء".
فقد أخذ ابن الهيثم في بحوثه بالاستقراء والقياس، وعُنِي في البعض منها بالتمثيل، وهي عناصر البحوث العلمية العصرية، وابن الهيثم في هذا كله لم يسبق فرنسيس بيكون إلى طريقته الاستقرائية فحسب، بل سما عليه سموًا كبيرًا، وكان أوسع منه أفقًا وأعمق تفكيرًا، وإن لم يُعْنَى كما عُنِيَ بيكون بالتفلسف النظري، فهذا المنهج يتسم بالحيوية والتكامل؛ إذ يجد فيه رجل العلم ما يرتاح له من أساليب وطرق تسهل له عمله، ويجد فيه الفيلسوف صاحب النظر المجرد ما يثلج صدره ويقيه جمحات عقله. يقول أحمد أمين: "وأهم ما امتاز به (ابن الهيثم) معرفة نظريات الرياضة، ومن أهم مميزاته تطبيق علمه على العمل".
وخلاصة القول أنَّ ما أتى به ابن الهيثم قبل أكثر من ألف عام، شيء كثير يستحق التقدير والاحترام؛ فهو بحق أكبر فيزيائي مسلم، وكتابه في البصريات تضمن أول وصف صحيح للعين، بأخلاطها المائية، وجسمها البللوري، وقرنيتها، وشبكيتها، وغرفتها المظلمة.
كما يتضح لنا أن ابن الهيثم جعل علم الضوء يتخذ صبغة جديدة، وينشأ نشأة أخرى غير نشأته الأولى، حتى أصبح أثره في علم الضوء يشبه تأثير نيوتن العام في علم الميكانيكا، فكانت المعلومات في علم الضوء قبل ابن الهيثم متفرقة لا يربطها رابط، فأعاد البحث فيها من جديد، واتجه في بحثه وجهة لم يسبقه إليها أحد من قبله، فأصلح الأخطاء وأتم النقص، وابتكر المستحدث من البحوث، وأضاف الجديد من الكشوف، واستطاع أن يؤلِّف من ذلك كله وحدة مترابطة الأجزاء، وأقام الأساس الذي انبنى عليه صرح علم الضوء.
 وفوق ذلك فقد كان ابن الهيثم يتحلَّى بروح علمية سامقة؛ إذ قرر أن الحقائق العلمية غير ثابتة، وأنها ليست غايات ينتهي إليها العلم، بل كثيرًا ما يعتريها التبديل والتغيير، وهو يؤمل ويرجو رجاء العالم المتواضع الوصول إلى الحقيقة فيقول: ".. ولعلنا ننتهي بهذا الطريق إلى الحق الذي يثلج الصدر ونصل بالتدريج والتلطف إلى الغاية التي عندها اليقين، ونظفر مع النقد والتحفظ بالحقيقة التي يزول معها الخلاف وتنحسم بها مواد الشبهات".
وهكذا يتضح أن منهج ابن الهيثم في العلم يلتقي مع المنهج العلمي الحديث وأربى عليه باعتبار سبقه الزمني.. تقول زيغريد هونكه: "والواقع أن روجر باكون، أو باكوفون فارولام، أو ليوناردو دافنشي، أو جاليليو، ليسوا هم الذين أسسوا البحث العلمي؛ إنما السابقون في هذا المضمار كانوا من العرب، والذي حققه ابن الهيثم لم يكن إلا علم الطبيعة الحديث، بفضل التأمل النظري والتجربة الدقيقة".

ابن الهيثم.. مؤلَّفات رائدة

كان ابن الهيثم غزير التأليف متدفق الإنتاج في شتي أنواع المعرفة، فطرق الفلسفة والمنطق والطب والفلك والبصريات والرياضيات، مستحدثًا أنماطًا جديدة من الفكر العلمي الأصيل، وقد بلغ عدد مؤلَّفاته ما يربو على مائتي مؤلف (237 مخطوطة ورسالة في مختلف فروع العلم والمعرفة).
كتاب المناظر الحسن بن الهيثمففي البصريات ألَّف ابن الهيثم ما يقرب من أربعة وعشرين موضوعًا ما بين كتاب ورسالة ومقالة، غير أن أكثر هذه الكتب قد فُقِدَ فيما فُقِدَ من تراثنا العلمي، وما بقي منها فقد ضمته مكتبات إستانبول ولندن وغيرهما، وقد سلم من الضياع كتابه العظيم "المناظر" الذي احتوى على نظريات مبتكرة في علم الضوء، وظل المرجع الرئيسي لهذا العلم حتى القرن السابع عشر الميلادي بعد ترجمته إلى اللاتينية.
ومن يطَّلع على كتاب (المناظر) والموضوعات التي تتعلق بالضوء وما إليه، يخرج بأن ابن الهيثم قد طبع علم الضوء بطابع جديد لم يسبق إليه، وقد ألف هذا الكتاب عام 411هـ/ 1021م، وفيه استثمر عبقريته الرياضية، وخبرته الطبية، وتجاربه العلمية، فتوصل فيه إلى نتائج وضعته على قمة عالية في المجال العلمي، وصار بها أحد المؤسسين لعلوم غيّرت من نظرة العلماء لأمور كثيرة في هذا المجال.
ولا يعرف العالم من مؤلَّفات ابن الهيثم حاليًا سوى خمسين كتابًا لم يَبْقَ منها في القاهرة سوى ثلاثة فقط؛ حيث تسرب العديد من كتبه الأخرى إلى أوروبا أثناء الحملة الفرنسية على مصر، وأثناء الحروب الصليبية.
وإلى جانب البصريات كان لابن الهيثم إسهاماته في الهندسة، وله فيها ثمانية وخمسون مؤلَّفًا، تضم آراءه وبراهينه المبتكرة لمسائل تواترت عن إقليدس وأرشميدس بدون برهان، أو في حاجة إلى شرح وإثبات، ويوجد في مكتبات العالم في القاهرة ولندن وباريس وإستانبول أكثر من واحد وعشرين مخطوطًا لابن الهيثم في هذا التخصص، وفي الحساب والجبر والمقابلة ألَّف ما لا يقل عن عشرة كتب، لا يوجد منها سوى مخطوطات قليلة في مكتبة عاطف بتركيا منها: حساب المعاملات، واستخراج مسألة عددية. وفي الفلك أبدع ابن الهيثم وأسهم فيه بفاعلية حتى أُطْلِقَ عليه "بطليموس الثاني"، ولم يصلنا من تراث ابن الهيثم في الفلكيات إلا نحو سبع عشرة مقالة من أربعة وعشرين تأليفًا، تحدث فيها عن أبعاد الأجرام السماوية وأحجامها وكيفية رؤيتها وغير ذلك.
كما أنَّ له في الطب كتابين: أحدهما في "تقويم الصناعة الطبية" ضمّنه خلاصة ثلاثين كتابًا قرأها لجالينوس، والآخر "مقالة في الرد على أبي الفرج عبد الله بن الطيب" لإبطال رأيه الذي يخالف فيه رأي جالينوس، وله أيضًا رسالة في تشريح العين وكيفية الإبصار.
على أن الذي عُنِيَ ببحوث ابن الهيثم في البصريات ودرسها دراسة وافية هو كمال الدين الفارسي، وكان قد ألَّف في ذلك كتابه المعروف "تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر"، وعن طريق هذا الكتاب عرفت أوروبا الكثير عن ابن الهيثم وأعماله وجهوده في علم الضوء بعد أن لم تكن قد ذاعت بعدُ؛ حيث نشر هذا الكتاب مترجمًا في مدينة بال بسويسرا سنة (980هـ/ 1572)، وإن كان قد سبق نشره قبل اختراع الطباعة من قبل "جيرار دي كريمونا" أشهر المترجمين في إسبانيا، الذي اهتم بإنشاء أضخم مجموعة فلكية سنة (676هـ/ 1277م) عن العلماء العرب، وهذه الكتب استفادت منها إسبانيا والبرتغال في رحلاتهما البحرية في المحيط الأطلنطي بفضل الأزياج الفلكية (الجداول الفلكية) والمعلومات الرياضية التي خلفها العلماء العرب.
وعن طريق هذه الترجمات لأعمال ابن الهيثم تأثر روجر بيكون وجون بيكام وفيتيلو في بحوثهم، فكتاب جون بيكام الموسوم بالمنظور ليس إلا اقتباسًا ناقصًا من كتاب ابن الهيثم في البصريات، وأما كتاب فيتيلو الذي ألفه سنة (669هـ/ 1270م) فمأخوذ في قسم كبير منه عن ابن الهيثم، ولا يتجاوز النتائج التي وصل إليها.
وكان كتاب "المناظر" معينًا للعديد من العلماء الحقيقيين وغيرهم؛ فقبل أكثر من خمسة قرون ترجم الإيطالي جيرار دي كيرمونا هذا الكتاب إلى اللغة اللاتينية، ومازالت مكتبة الفاتيكان تحتفظ بنسخة من تلك الترجمة حتى الآن، وتلقف علماء الغرب كتاب "المناظر" ليستفيدوا منه في علوم الضوء والرياضيات، ولينسب البعض إلى أنفسهم بعض الآراء التي جاءت فيه.
ومن بين من نسب لنفسه بعض ما جاء في الكتاب في القرن السابع عشر الميلادي الألماني "كبلر"، كما أن عالم البصريات فيتيلو البولوني في كتابه "الذخيرة" نسب لنفسه الكثير مما قاله ابن الهيثم؛ مما حدا بالعالم دي لابورتا أن يقول: "لقد أخطأ فيتيلو فيما نقله عن الهازن (ابن الهيثم كما يطلق عليه الأوروبيون) وكان كالقرد المقلد، ولبث هذا الكتاب المنقول عن العربية مرجعًا لأهل أوروبا في علم الضوء خلال القرون الوسطى".

ابن الهيثم.. وآراء المنصفين من الغربيين

كان لجهود ابن الهيثم خاصة في البصريات بالغ الأثر في تقدم ورُقِي علم الضوء، وهو الأمر الذي جعله يحوز على إعجاب المنصفين من الغربيين، حتى وصفه جورج سارتون - من كبار مؤرخي العلم - بقوله: "هو أعظم عالم فيزيائي مسلم، وأحد كبار العلماء الذين بحثوا في البصريات في جميع العصور". ووصفه أرنولد في كتاب ( تراث الإسلام) بقوله: "إن علم البصريات وصل إلى الأوج بظهور ابن الهيثم". وقد سحرت بحوث ابن الهيثم في الضوء ماكس مايرهوف وأثارت إعجابه إلى درجة جعلته يقول: "إن عظمة الابتكار الإسلامي تتجلى لنا في البصريات".
وتقول زيغريد هونكه الألمانية في كتابها (شمس الله تسطع على الغرب): "كان الحسن بن الهيثم أحد أكثر معلمي العرب في بلاد الغرب أثرًا وتأثيرًا.."، وتقول أيضا: "لقد كان تأثير هذا العربي (ابن الهيثم) النابغة على بلاد الغرب عظيم الشأن فسيطرت نظرياته في علمي الفيزياء والبصريات على العلوم الأوروبية حتى أيامنا هذه؛ فعلى أساس كتاب المناظر لابن الهيثم نشأ كل ما يتعلق بالبصريات ابتداء من الإنكليزي (روجر بيكون) حتى الألماني (فيتيلو)، وأما ليوناردو دافنشي الإيطالي مخترع آلة (التصوير الثقب) أو الآلة المعتمة, ومخترع المضخة والمخرط وأول طائرة – بالادعاء - فقد كان متأثرًا تأثيرا مباشرا بالمسلمين, وأوحت إليه آثار ابن الهيثم أفكارًا كثيرة، وعندما قام (كبلر) في ألمانيا خلال القرن السادس عشر ببحث القوانين التي تمكن (جاليليو) بالاستناد إليها من رؤية نجوم مجهولة من خلال منظار كبير كان ظل ابن الهيثم الكبير يجثم خلفه، وما تزال حتى أيامنا هذه المسألة الفيزيائية الرياضية الصعبة التي حلها ابن الهيثم بواسطة معادلة من الدرجة الرابعة مبرهنة بهذا على تضلعه البالغ في علم الجبر، نقول: ما تزال المسألة القائمة على حسب موقع نقطة التقاء الصورة التي تعكسها المرآة المحرقة بالدوائر على مسافة منها ما تزال تسمى "بالمسألة الهيثمية" نسبة إلى ابن الهيثم نفسه".
ويقول د. تشالرز جروسي (متخصص في فسيولوجيا الأعصاب والجوانب العصبية والنفسية للإبصار) بعد دراسة قيمة في كتاب المناظر: "والخلاصة الأساسية التي يمكننا الخروج بها هي أن هذا الرجل المرموق يستحق منا دراسة أعمق، فمع أن العمل الفريد الذي قام به ابن الهيثم في دمج الفيزياء والرياضيات ووظائف الأعضاء في نظرية جديدة عن الإبصار قد احتل مكانة تاريخية، إلا أن نظرياته عن سيكولوجية الإدراك وآثارها ستظل مجالاً خصبًا ومهمًا للبحث والدراسة".
وأخيرًا كانت هذه الحقيقة.. يقول العالم الرياضي الفرنسي "شارل أبرنون"(1880م): "إن بحوث ابن الهيثم في ميدان المناظر تُعَدُّ أصل معارفنا في علم الضوء".
وهكذا كان علماء المسلمين مفخرة للإنسانية، وهكذا كانت إبداعاتهم منارة للعالم أجمع.

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More